قد تمر بالإنسان ظروف ومواقف صعبة جداً لا بد له أن يقف عندها ويحزن " قليلاً "
فحياتنا كلها ليست مواقف وذكريات فرحة دوماً ولا نستطيع أن لا نحزن ونبكي ونتألم ، شرط أن لا يرافق هذا الحزن والألم حياتنا كلها ويستهلك كل أملنا ورجاءنا .
والحقيقة أن الحزن لايعبر دوما عن الألم ولكن أحيانا يعبر عن الندم وعندما يشعر الإنسان بالندم يشعر بإرتياح داخلي نسبي
إذا يمكن أن نقول أن للحزن في الحقيقة و جهين يمكن أن يكون وجه سلبي ووجه إيجابي وفي الحالتين لابد أن يترك ذلك تأثير داخلي على الجسم .
ولو رجعنا إلى الكتاب المقدس نرى السيد المسيح له المجد حزن في كثير من المواقف منها عند بكاءه على عازر،
صديقه الذي مات منذ أيام (يوحنا 11: 35) و قد حزن وبكى على أورشليم التي لم تعرف زمان افتقادها (لوقا 19: 41).
وحزن قبل الصلب عندما " نفسي حزينةُ حتى الموت " وحزن عندما علمه أنه سيفارق تلاميذه وكان يتفقدهم دوماً... . فالسيد المسيح ليس إلهاً مغلفاً بقليل من اللحم والدم ،
بل أنه له المجد انسان بكل ما في الكلمة من معنى بنفس الوقت ، وإنسان بكل ما تحمله المشاعر الإنسانية من معاني .
كما أن نجد الكثير من القديسين والآباء عاشوا في حزن وكانوا يصلون دائماً ويدعون أنفسهم بعبارات العدم الإستحقاق والحزن .
بطرس الرسول ما كان يشعر بفداحة إنكاره للمسيح، بدليل أنه كرر هذا الإنكار ثلاث مرات وهو في دوامة الخوف. فلما أيقظه صياح الديك، وتنبه إلى نفسه،
وشعر بعمق خطيته، يقول الإنجيل إنه (خرج إلى خارج، وبكى بكاأ مرا) (متى 26: 75) كان داود في داومة الخطية،
يتنقل فيها من مجال إلى مجال آخر، حتى نبهه ناثان وأيقظه.
وفى يقظته تحول حزن قلبه إلى دموع متصلة فقال (فى كل ليلة أعوِّم سريرى، وبدموعى أبل فراشى) (مز 6)
لم يبك داود خوفا من فقد أبديته، فقد قال ناثان النبى (الرب نقل عنك خطيئتك.. لا تموت) (2 صم 12: 13)
ولكنه بكى ندما وحزنا، لأنه أخطأ بحق نفسه وأغضب الرب ...
وقد عانى أيضا القديس بولس الرسول من أحزان كثيرة جداً ، من داخل ، ومن خارج الخدمة ، ولكنه كان يفرح بها ويقول :
· " كحزانى ( من الخارج ) ونحن دائمون فرحون ( فى القلب ) ..... " ( 2 كو 6 : 10 ) ،
ودعانا للحزن ، والندم على أفعالنا التى لا تمجد الله ( أف 4 : 30 ) ، ( 2 كو 2 : 1 – 7 ) ،
وراجع أيضاً ( 1 بط 1 : 6 ) .
وقد قال طوبى للحزانى لانهم يتعزون ..(مت14:5 )
لم يقصد الرب يسوع أن يُطوب كل حزين القلب ، بل كل حزين على الخطية ، والذى سوف يتمتع بالتعزية من الروح القدس ( يو 14 : 26 ) .
والواقع إن الحزن غريزة فى الطبع البشري ، وخاصة بالنسبة للنساء وللنفوس كثيرة الحساسية ، والتى تتأثر بالتقاليد العامة ،
التى تدعو للحزن الشديد ، على رحيل أحد لعالم المجد ، على نقيض وصية الكتاب ، إلى كل قلب :
· " لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم " ( 1 تس 4 : 13 )
وعند رحيل عزيز في هذا الحياة الفانية نجد أن هناك الكثير من تعابير الحزن الداخلي على كل من يعرفه
ولابد للمؤمن الحقيقي أن يفرح يفرح برحيل الأحباء إلى السماء ، لأنه يدرك مصيرهم ومكانهم بين الملائكة والقديسين ،
وإيمانه يحد من العواطف البشرية الهوجاء ، والمثارة من عدو الخير ، ومن أفكار الأشرار الحمقاء ، فالإيمان خير دواء للأحزان .
وينعكس الحزن الشرير ( السقيم )على الحالة النفسية والبدنية ، للحزين الغير حكيم ، على ضياع شئ ، أو على عدم تحقيق أمل عالمي ( لو 18 : 23 ) !! .
· وقال أيوب فى تجربته الصعبة : " كلّت عيني من الحزن " ( أى 17 : 7 ) .
· وقال داود النبي : " حياتى قد فنيت بالحزن " ( مز 31 : 10 ) وهى حقيقة .
· " وقال سليمان الحكيم عن الشرير : " كل أيامه أحزان " ( جا 2 : 23 ) .
وعدم الحكمة ، وعدم الطاعة ، وعدم الأستفادة من المشورة الصالحة ، تقود حتماً إلى المعاناة النفسية والجسدية ،
وذلك بسبب الندم الشديد ، لعدم سماع النصيحة السليمة ، فى وقتها !! .
ويحزن الإنسان بسبب الإنشغال بهموم الحياة ، والإنشغال بالطعام والشراب والملبس ( رو 14 : 15 ) ،وبسبب ضرر المقارنات المادية بالغير ( مز 73 ) .
وقد تكون الكآبة والحزن الشديد ، بسبب أمراض نفسية ، وتحتاج فى هذه الحالة لعلاج سريع " روحي وطبي " ليسترد الإنسان حالته النفسية السليمة ،
ولا يتعب معه من يعاشره أو يجاوره .
ومن ناحية أخرى ، فإن الرب يطوب الحزانى على خطاياهم ، والتى تجرح قلب الله المحب ، فيبكون وينوحون على شرورهم وعلى خطاياهم ،
كما حدث مع داود بعد سقوطه ، وبعد حزنهم وندمهم يشعرون بالفرح القلبي وتعزيات الروح القدس ، كما وعدهم الرب ( مت 5 : 4 ) .
وقد تكون الأحزان بسبب حروب الشيطان : " كثيرة هى أحزان الصديق ( البار ) ومن جميعها يُنجيه الرب " ( مز 34 : 9 ) .
وقد وصف الرب يسوع بأنه " رجل أوجاع ومُختبر الحزن " ( راجع إشعياء اصحاح 53 كله ) ،
وتحدث المخلص عن الأحزان التى سوف يعانى منها تلاميذه فى خدمتهم ، ولكن حزنهم سوف يتحول إلى فرح أبدي ( لو 6 : 25 ) ، ( يو 16 : 20 – 21 ) .
ومن المفيد أن نعلم بأن كل لحظة حزن تكون هي يقظة روحية يبكى بها الإنسان على أيامه الضائعة، وعلى نقاوته المفقودة،
ندما وحزنا، إذ يشعر إلى أية هوة قد انحدر... يبكى بينه وبين نفسه أمام الله، ويبكى أمام المرشد الذي أيقظ نفسه،
ويبكى أمام المذبح وصور القديسين، ويبكى كلما تذكر إن القلب الذي لم يختبر البكاء،
هو قلب قاس... هذا البكاء والحزن هو تعبير القلب عما يشعر به من مرارة وندم بسبب خطيته...
ولا ننسى أيضا أنه في الكثير من طوقسنا الدينية والكنسية وفي كنائس عدة نسمع الكثير من الألحان
الحزينة المؤثرة التي بمجرد سماعها تجعل الإنسان يفكر بخطاياه ليتوب ويرجع عنها
الحزن والبكاء أيضاً في كثير من الأوقات يكون عامل تطهير وغسل أنفسنا وأرواحنا
إن في انكسار القلب ليس قتلاً للرجاء، بل بالعكس ابتهالاً للمخلص الذي يريد للخاطئ لا الموت لي الحياة (حزقيال 18: 23).
ويقول الكتاب المقدس أيضاً " طوبى للباكين (لوقا، 6: 21) "
وشخصياً أرى أن الإنسان الحزين هو انسان رقيق جداً صافي القلب عندما يحزن يصبح برىء كبراءة الطفل
الذي لايمكن أن يترك أمه ولو للحظات وهكذا في لحظة الحزن يرق القلب في لحظة خشوع
وكأن الإنسان يقف أمام الرب ويسلمه قلبه وجميع مشاعره ليحتضن الرب هذه المشاعر ويبعث فيها الأمل ويجدد الرجاء .
.....................
تحياتي